قرأت مؤخراً رواية دان بروان الأخيرة ” الرمز المفقود ” و فيها يعود عالم هارفارد “روبرت لانجدون ” المختص بالرموز الدينية لمواجهة لغز جديد و شفرة – بل شفرات – يجب تفكيكها . على عكس الروايات السابقة (ملائكة و شياطين ، شفرة دافنشي ) هذه الرواية تقع أحداثها في الولايات المتحدة و في العاصمة واشنطن . و كأن بروان يقول برسالة مخفية أننا نحن الأمريكان لدينا أيضاً تاريخ يستأهل الوقوف أمامه كما للأوروبيين واحد . بعد مواجهة الطبقة المستنيرة و جماعة الفاتيكان ، يتكلم بروان في “الرمز المفقود ” عن الماسونية . من خلال قراءة الرواية يتبين لك أن بروان يريد أن يوضح للناس ان الماسونية مجرد أخوية لها أسرارها كأي أخوية أخرى إنما عامة الناس لديها فكرة مغالطة تماماً قد تصل لحد الخوف عن الماسونية.
غلاف الرواية – النسخة الأمريكية
أيضاً على عكس الروايات السابقة ، تقع أحداث هذه الرواية في 12 ساعة فقط و كأن بروان يريد أن يخرج عن المألوف و يقدم أثارة سريعة تجعل القارئ يجاهد ركضاً بين الصفحات لمعرفة النهاية و أعتقد – شخصياً – أنه نجح بذلك . إذ أن هذه المدة حددها بروان و بشكل ذكي لكي تكون من ضمن سياق الأحداث الأمر الذي لا تستغربه و أنت تقرأ الرواية إطلاقاً .
البداية مختلفة عكس الروايات السابقة و إن كان فيها يتم إستدعاء لانجدون و لكن هذه المرة ليس لفك وشم على جثة أو تحليل علامات دموية . لا ، إنما يتم إستدعاؤه من قبل صديقه و معلمه الماسوني الاشهر ” بيتر سولومون ” و ذلك لإلقاء محاضرة في مبنى الكابيتول بواشنطن عن الرموز . و ما أن يصل لانجدون هناك و يبدأ دخول قاعة المحاضرة حتى يحدث الأمر الذي معه تبدأ أحداث الرواية .
طبعاً سأكتفي بالحديث عن الرواية وذلك مراعاة لمن لم يقرؤها ، و لكن سأكتفي بتقييم متواضع من قبلي لها – و من أنا حتى أقيم كاتب في حجم دان براون – .
من خلال قرأتي لبروان عرفت انه شخص يسيطير عليه هاجس المؤامرات الحكومية و التي تخفي مؤامراتها عن طريق سلسلة من الألغاز المنتشرة على هيئة رموز . من خلال ما يقارب الخمسمائة صفحة و جدت التالي:
في المائة صفحة الأولى من الرواية سيدهشك كم المعلومات الهائل في الرواية و سيثير تعجبك عن كيفية عدم الإشارة من قبل أخرين عن هكذا أشياء . مثال ذلك ، مبنى الكابيتول نفسه أو National Statuary Hall و الذي تبدأ فيه الرواية يقول المؤلف انه شأنها شأن أي متحف أخر مليئ بالتحف و الرسومات و التماثيل و لكن و من خلال نظرة بروان فسر و جودها على انها رموز و دلائل لها معنى أكثر من أنها مجرد “تحف” و المثير أكثر أنها خدمت الرواية بشكل ممتاز و ممتع و كأن بروان يريد ان يطلب السماح من القراء على أنه خدع ذكائهم في روايته السابق “شفرة دافنشي ” و هو ما أتهمه فيه بعض النقاد .
National Statuary Hall
المائة صفحة الثانية يبدأ بروان دخول بيئة المغامرة ، و لما لا فهي رواية في الأول و الأخير ، حيث تبدأ المطارادت و التي يتخللها العديد من الحوارات المليئة بالمعلومات التي يجب “بشكل أو أخر” أن لا يعرفها عامة الشعب لما في ذلك من خطورة مع إضافة عناصر تشويق غير خيالية على الإطلاق الأمر الذي يجعلك تحترم الكاتب لتمسكه بأرض الواقع و إضفاء العناصر الحديثة الحقيقية في روايته.
المائة صفحة الثالثة تبدأ الحقائق في الظهور تدريجياً مصحوبة بدلائل موثقة و حقائق مدهشة للغاية عن علماء لهم وزنهم لدرجة يحسسك فيها بروان أنهم هم أنفسهم – العلماء- عرفوا من الأسرار ما يمكن أن يُخيفنا – نحن الناس العاديين – لو عرفناه و الغريب ان بروان لم يقل هذا مباشرة و إنما أشار له و بطريقة تجعلها يُصنف كـ “كاتب ذكي” من الطراز الأول.
المائة صفحة الرابعة يستعرض فيها بروان مدى قدرته على التنقل في مسار الأحداث بشكل تناقلي سريع يخدم الرواية و بالتالي يمكن تحويلها إلى فيلم سينمائي و بدون مشقة .
المائة الأخيرة … بالتأكيد لا داعي للحديث عنها .
الرواية صُدرت في 15 سبتمبر 2009 و تم طباعة 6.5 مليون نسخة كطبعة أولى ، تم بيع مليون نسخة في يومها الأول لتكون بذلك اسرع الروايات مبيعاً للكبار في التاريخ و تربعت على عرش افضل الروايات مبيعاً على حسب قائمة نيويورك تايمز لمدة ست أسابيع و ظلت في المراتب العشر الاولى لمدة ثلاث شهور.
النقاد بشكل عام مدحوا الرواية ، حيث قالت نيويورك تايمز أنه ” كتاب مستحيل أن تغلقه ” و أن بروان ” أعاد عنصرالإثارة للرواية البوليسية بعد أن كاد ان يندثر ” . مجلة نيوز ويك الأمريكية كان لها رأي مخالف بعض الشئ إذ قالت ان الرواية مليئة بالصدف مثلها مثل شفرة دافنشي التي يجب إبتلاعها وذلك لصالح القصة و لكن تظل الرواية A page Turner .بشكل إجمالي و بغالبية عظمى الكل مدحوا الرواية و أثنوا على كاتبها.
في الحقيقة بروان – كما ذكرت – كاتب ذكي و لكن أنا ارى انه – و كما ذكرت ، من أنا حتى أحكم عليه - أنه ضعيف في وصف المشاعر الإنسانية و التي تُعتبر مهمة في وجود أي رواية و هو العنصر الأقرب للأدب منه إلى الإثارة و عوضاً عن ذلك يدخلك بروان في ألغاز هو يبتكرها بناءً على وجودها بالواقع و يحلها بشكل ممتع بناءً على الواقع أيضاً .
تم ترجمة الرواية إلى اللغة العربية عن طريق الدار العربية للعلوم و الترجمة إجمالاً ممتازة لولا يعيبُها بعض الإستخدامات لكلمات مثل : باطنية !! أنا قرأت النسخة الأنجليزية و العربية و وجدت أن العربية للأسف افتقدت تقديم القليل جداً من سياق ألغاز الرواية بالشكل المطلوب كما هو في نسختها الأصلية و ذلك يعود لعدم إلمام المترجم بالثقافة الأمريكية التي أستخدمها المؤلف و مثال ذلك إشارتها لشخصية “دارث فيدر ” من سلسلة أفلام حرب النجوم حيث تم تفسير اللغز بشكل ناقص للقارئ العربي.
في النهاية ، رواية ممتازة و رائعة تجعلك تمر بتجربة ممتعة و تشعر ان دان بروان حتى و بعد شفرة دافنشي يظل هو دان براون الكاتب الذكي و الممتع .
تقييمي :
4.5 من 5