الاثنين، 21 يونيو 2010

لكل شئ بداية


و أخيراً اصبح لي مدونة تم عرض محتوياتها على الشبكة. ليس معنى كلامي ان هذه أول مدونة لي – مع انها فعلياً أول مدونة لي - حيث كانت لي تجربة سابقة مع احد المواقع التي بالإمكان عمل مدونة خاصة بك لـ "تشخمط على كيفك" . اذكر اني سجلت في ذاك الموقع ، موقع له شعار يذكرني بماركة سيارات "خنفوسية" . كان هذا قبل عامين ، البداية كانت من أين لي بالمواد الكتابية ؟ و الجواب سهل : انا لدي حصيلة كبيرة من الثرثرة الخطية إذا كان هناك شئ كهذا ، هناك الكثير من "الحكايا" و الـ "سوالف" و الـ "قصص المسلية " ، و الكثير و الكير – هذه العبارة الاخيرة تذكرني ببعض افلام الـ DVD ، حيث تجد من الـ Features انه في مقابلة مع بطل الفيلم ، مقابلة مع المخرج و الكثير الكثير و في النهاية تحصل ان "الكثير الكثير" هو مقابلة مع فتى الكلاكيت - .

اشتغلت في المدونة و قررت اسميها "كل شئ عن أي شئ " ، كانت الخطة هو الحديث عن اي شئ ، حديث عن الافلام على غرار الافضل و الاسوء ، عن التلفاز و مقارنة الغربي بالـ "العربي" ، عن الموسيقى و من افضل ، تحفة بيتهوفن Ode to Joy أم رائعة لزست Hungarian Rhapsody، لماذا مخرجي الافلام يفضلون معزوفة ريتشارد ستراوس "هكذا تكلم زرداشت" على ابداع كارل أورف و رائعته karmina burana . عن الروايات الادبية – و هو مجال فيه انا ضليع – و لماذا الادب الغربي الافضل ، عن القصص الهزلية – و هو مجال انا فيه "ماستر" - ، عن الرياضة – و انا مشاهد جيد "فقط" – عن هذا و عن ذاك و عن هؤلاء و هم و نحن و هو الذي لا يراه أحد و …

هنا اقف قليلاً عن الاسترسال ، أي نعم هو هواية محببة لي – بالاضافة للإستطراد – و لكنه قد لا يعجب البعض خصوصاً إذ كنت من القراء السريعين حيث الـ "فلسفة الزايدة " قد تؤدي إلى السخط بطريقة –
حتماً – لن تشعر بها . يذكرني هذا بما قاله الامام الشافعي :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة و لكن عين السخط تبدي المساويا

أنا – طبعاً – الراضي عن ما اقول ، بينما القراء – و هو الذي لا اتمناه – قد يكونوا عين السخط . لذا وجدت ان انسب مكان لثرثرتي هو هذه المدونة . قد يتسائل البعض و ماذا حدث لتلك المدونة التي عزمت عليها ذات الشعار الـ "خنفوسي" و الجواب: لا أدري… و الله العظيم لا أدري . سأنسى اماضي و اركز في المستقبل – هو سيمبا احسن مني يعني – و سأحاول ان اجعل هذه المساحة نقطة لـــ … لا لن اقول مثل كلام الشعراء على غرار استراحة و واحة أو استراحة الواحة أو واحة جنب الاستراحة . أيضاً لن اقول انها ستكون استراحة محارب أو مرفأ وسط العاصفة أو شمعة في مهب الريح او الكثير من هذه العناوين المبتذلة ، لا … ستكون هذه مساحة لثرثرتي ، لممارسة هواياتي المفضلة ، مساحة لمخي كي يتقيأ بما يريد – و السموحة على هذا التشبيه الصادم - .
و حتى ذاك الحين اعد ان ازيد ثرثرتي بين الفينة و الاخرى .


"الكتابة" ذات شجون


أعود للـ "الشخمطة" في المدونة. اول ما بدأت الكتابة فيها قررت ان اكتب و لو بشكل أسبوعي على الاقل . في السابق كنت اتعذر بحكاية الوقت و انه ترف لا أملكه و لكن الفترة الاخيرة اصبحت املك "القليل" منه و مع ذلك ارى نفسي كسول … لمن لا يعرفني اسمي أحمد … ممكن "ينط" سائل و يقول : اللي يسمعك يقول والله أحمد الكوفي و لا أحمد شوقي و لا أحمد رامي على غفلة ! أي نعم اسمي أحمد و لكن لست كالعبقري الكوفي أو كالملهم شوقي أو كالرائع رامي

الأول الكل يعرفه حتى الخيل والليل و البيداء و السيف و الرمح و القرطاس و القلم . هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد أو بإختصار شديد جداً … المتنبي … المشاغب الفوضوي الذي لم يعرف من حوله ماذا يريد و حتى هو لم يعرف ماذا كانت نفسه تريد ، شبه نفسه بالحصان الجامح عندما مرض إذ قال:

يقول لي الطبيب اكلت شيئاَ و داؤك في الشراب و الطعام

و ما في طبه اني جواد اضر بجسمه طول الجمام

الثاني هو أمير الشعراء و الشاعر الخالد الذي عندما ولد أقام له ابوه مأدبة عشاء حضرها كل أعيان الحارة آنذاك إلا شيخ الحارة الامر الذي أثر استغراب ابو امير شعراءنا فذهب للشيخ يسأله عن سبب عدم حضوره للدعوة فكانت اجابة الشيخ: ابنك سيكبر و سيصبح شاعراً و سيمدح الخمر في قصائده. الحقيقة ان شوقي عندما كبر و سمع القصة من ابوه و اعجبته فقام بكتابة قصيدة كان مطلعها :

رمضان قد ولى هاتها يا ساق مشتاقة تسعى إلى مشتاق

و هي ليست المرة الاولى لشوقي حيث قد قال ايضاً :

قياماً نشرب الخمرا على نخب كليوبترا

ليس معنى هذا ان شوقي كان معاقر لهذا "الهباب" اجارنا الله و اياكم منه ، طبعاً شوقي له قصدة في مدح سيد الخلق اجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم :

أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد ان لي انتسابا

أحمد الثالث هو رامي ، شاعر الشباب و من ترجم رباعيات الخيام إلى العربية ، الرباعيات المجسدة للفن :

افنيت عمري في اكتناه القضاء و كشف ما يحجبه الخفاء

فلم اجد اسراره و انقضى عمري و احسست دبيب الفناء

طبعاً الخيام صاحب الرباعيات هو شاعر و عالم فارسي صاحب العديد من النظريات الفلسفية و هو الشاعر الرسمي للحسن بن الصباح ، كلكم طبعاً تعرفوا الاخير معرفة تامة و … !! معقولة ما تعرفوه ؟ الحسن بن الصباح هو مؤسس الدعوة الاسماعيلية النزارية، عرفتوه ؟؟ كان يسكن في قلعة الموت و كان يسموه المعلم و كان يملك افضل طاقم من القتلة المحترفين الكفيل بإسالة لعاب أي مدير للـ CIA فقط لكي يحصل على خدماتهم و كان يطلق عليهم اسم الحشاشيين

طبعاً كل المعلومات منقولة من الاخ ماركو بولو التاجر الايطالي الذي عقد العديد من الصفقات مع قوبلاي خان امبراطور المغول آنذاك و الذي هو بالمناسبة حفيد جنكيز خان الذي هو – جنكيز لا قوبلاي – جد هولاكو الذي اجتاح بغداد إبان نهضتها العلمية و لون الرافدين بالاسود و الأحمر و ضاع البشر و ضاعت الكتب و من أهم ما ضاع كانت كتب عدة للجاحظ صاحب كتاب البخلاء و الحيوان و الذي كان…

لحظة .. يتحين ان أقف هنا ، الموضوع كان عني أنا أحمد و انتهى بي المطاف بالحديث عن الجاحظ و لو تُرك لي المجال لما توقفت عن الحديث ابداً و عزائي الوحيد في عدم الصمت هو ان الحديث ذو شجون.


أنا ، دان بروان و الرمز المفقود

قرأت مؤخراً رواية دان بروان الأخيرة ” الرمز المفقود ” و فيها يعود عالم هارفارد “روبرت لانجدون ” المختص بالرموز الدينية لمواجهة لغز جديد و شفرة – بل شفرات – يجب تفكيكها . على عكس الروايات السابقة (ملائكة و شياطين ، شفرة دافنشي ) هذه الرواية تقع أحداثها في الولايات المتحدة و في العاصمة واشنطن . و كأن بروان يقول برسالة مخفية أننا نحن الأمريكان لدينا أيضاً تاريخ يستأهل الوقوف أمامه كما للأوروبيين واحد . بعد مواجهة الطبقة المستنيرة و جماعة الفاتيكان ، يتكلم بروان في “الرمز المفقود ” عن الماسونية . من خلال قراءة الرواية يتبين لك أن بروان يريد أن يوضح للناس ان الماسونية مجرد أخوية لها أسرارها كأي أخوية أخرى إنما عامة الناس لديها فكرة مغالطة تماماً قد تصل لحد الخوف عن الماسونية.

غلاف الرواية – النسخة الأمريكية

أيضاً على عكس الروايات السابقة ، تقع أحداث هذه الرواية في 12 ساعة فقط و كأن بروان يريد أن يخرج عن المألوف و يقدم أثارة سريعة تجعل القارئ يجاهد ركضاً بين الصفحات لمعرفة النهاية و أعتقد – شخصياً – أنه نجح بذلك . إذ أن هذه المدة حددها بروان و بشكل ذكي لكي تكون من ضمن سياق الأحداث الأمر الذي لا تستغربه و أنت تقرأ الرواية إطلاقاً .

البداية مختلفة عكس الروايات السابقة و إن كان فيها يتم إستدعاء لانجدون و لكن هذه المرة ليس لفك وشم على جثة أو تحليل علامات دموية . لا ، إنما يتم إستدعاؤه من قبل صديقه و معلمه الماسوني الاشهر ” بيتر سولومون ” و ذلك لإلقاء محاضرة في مبنى الكابيتول بواشنطن عن الرموز . و ما أن يصل لانجدون هناك و يبدأ دخول قاعة المحاضرة حتى يحدث الأمر الذي معه تبدأ أحداث الرواية .

طبعاً سأكتفي بالحديث عن الرواية وذلك مراعاة لمن لم يقرؤها ، و لكن سأكتفي بتقييم متواضع من قبلي لها – و من أنا حتى أقيم كاتب في حجم دان براون – .

من خلال قرأتي لبروان عرفت انه شخص يسيطير عليه هاجس المؤامرات الحكومية و التي تخفي مؤامراتها عن طريق سلسلة من الألغاز المنتشرة على هيئة رموز . من خلال ما يقارب الخمسمائة صفحة و جدت التالي:

في المائة صفحة الأولى من الرواية سيدهشك كم المعلومات الهائل في الرواية و سيثير تعجبك عن كيفية عدم الإشارة من قبل أخرين عن هكذا أشياء . مثال ذلك ، مبنى الكابيتول نفسه أو National Statuary Hall و الذي تبدأ فيه الرواية يقول المؤلف انه شأنها شأن أي متحف أخر مليئ بالتحف و الرسومات و التماثيل و لكن و من خلال نظرة بروان فسر و جودها على انها رموز و دلائل لها معنى أكثر من أنها مجرد “تحف” و المثير أكثر أنها خدمت الرواية بشكل ممتاز و ممتع و كأن بروان يريد ان يطلب السماح من القراء على أنه خدع ذكائهم في روايته السابق “شفرة دافنشي ” و هو ما أتهمه فيه بعض النقاد .

National Statuary Hall

المائة صفحة الثانية يبدأ بروان دخول بيئة المغامرة ، و لما لا فهي رواية في الأول و الأخير ، حيث تبدأ المطارادت و التي يتخللها العديد من الحوارات المليئة بالمعلومات التي يجب “بشكل أو أخر” أن لا يعرفها عامة الشعب لما في ذلك من خطورة مع إضافة عناصر تشويق غير خيالية على الإطلاق الأمر الذي يجعلك تحترم الكاتب لتمسكه بأرض الواقع و إضفاء العناصر الحديثة الحقيقية في روايته.

المائة صفحة الثالثة تبدأ الحقائق في الظهور تدريجياً مصحوبة بدلائل موثقة و حقائق مدهشة للغاية عن علماء لهم وزنهم لدرجة يحسسك فيها بروان أنهم هم أنفسهم – العلماء- عرفوا من الأسرار ما يمكن أن يُخيفنا – نحن الناس العاديين – لو عرفناه و الغريب ان بروان لم يقل هذا مباشرة و إنما أشار له و بطريقة تجعلها يُصنف كـ “كاتب ذكي” من الطراز الأول.

المائة صفحة الرابعة يستعرض فيها بروان مدى قدرته على التنقل في مسار الأحداث بشكل تناقلي سريع يخدم الرواية و بالتالي يمكن تحويلها إلى فيلم سينمائي و بدون مشقة .

المائة الأخيرة … بالتأكيد لا داعي للحديث عنها .

الرواية صُدرت في 15 سبتمبر 2009 و تم طباعة 6.5 مليون نسخة كطبعة أولى ، تم بيع مليون نسخة في يومها الأول لتكون بذلك اسرع الروايات مبيعاً للكبار في التاريخ و تربعت على عرش افضل الروايات مبيعاً على حسب قائمة نيويورك تايمز لمدة ست أسابيع و ظلت في المراتب العشر الاولى لمدة ثلاث شهور.

النقاد بشكل عام مدحوا الرواية ، حيث قالت نيويورك تايمز أنه ” كتاب مستحيل أن تغلقه ” و أن بروان ” أعاد عنصرالإثارة للرواية البوليسية بعد أن كاد ان يندثر ” . مجلة نيوز ويك الأمريكية كان لها رأي مخالف بعض الشئ إذ قالت ان الرواية مليئة بالصدف مثلها مثل شفرة دافنشي التي يجب إبتلاعها وذلك لصالح القصة و لكن تظل الرواية A page Turner .بشكل إجمالي و بغالبية عظمى الكل مدحوا الرواية و أثنوا على كاتبها.

في الحقيقة بروان – كما ذكرت – كاتب ذكي و لكن أنا ارى انه – و كما ذكرت ، من أنا حتى أحكم عليه - أنه ضعيف في وصف المشاعر الإنسانية و التي تُعتبر مهمة في وجود أي رواية و هو العنصر الأقرب للأدب منه إلى الإثارة و عوضاً عن ذلك يدخلك بروان في ألغاز هو يبتكرها بناءً على وجودها بالواقع و يحلها بشكل ممتع بناءً على الواقع أيضاً .

تم ترجمة الرواية إلى اللغة العربية عن طريق الدار العربية للعلوم و الترجمة إجمالاً ممتازة لولا يعيبُها بعض الإستخدامات لكلمات مثل : باطنية !! أنا قرأت النسخة الأنجليزية و العربية و وجدت أن العربية للأسف افتقدت تقديم القليل جداً من سياق ألغاز الرواية بالشكل المطلوب كما هو في نسختها الأصلية و ذلك يعود لعدم إلمام المترجم بالثقافة الأمريكية التي أستخدمها المؤلف و مثال ذلك إشارتها لشخصية “دارث فيدر ” من سلسلة أفلام حرب النجوم حيث تم تفسير اللغز بشكل ناقص للقارئ العربي.

في النهاية ، رواية ممتازة و رائعة تجعلك تمر بتجربة ممتعة و تشعر ان دان بروان حتى و بعد شفرة دافنشي يظل هو دان براون الكاتب الذكي و الممتع .

تقييمي :

4.5 من 5